قراءة في كتاب «عظمة الفلسفة»


إننا محبون للحكمة، تلك هي الدعوة التي أعلنها بيتاغور محددا تعريفه للفلسفة، يقول بيتاغور:”الفلسفة هي محبة الحكمة لذاتها “، وفي عملية الحب هاته تكمن العظمة التي تتجلى في كون الفيلسوف أي “محب الحكمة” يبحث عنها أينما وجدت، وفي بحثه لا ينشد مجدا ولا لقبا أو ثروة، بل ينشد الحقيقة ذاتها.
إن الحديث عن عظمة الفلسفة يدفعنا إلى تقليب أوراق مؤلف كارل ياسبرس ” عظمة الفلسفة ” ، الذي قسمه إلى ثمانية فصول مقسمة إلى محاور وعناصر أبتدئها بتحديد العظمة الإنسانية بوجه عام ، وختمها بما ينبغي فعله تجاه هذه العظمة.
أول ما يجعلنا نعى وجود تاريخ كلي للفلسفة  هو الفيلسوف الألماني هيجل hegel، والوعي بهذا التاريخ الكلي هو إدراك لتاريخ الفلسفة الذي يشبه البحر الواسع العميق الذي لا نستطيع ولن نستطيع سبر أغواره، لكن في خضم هذا البحر علينا ألا نفتت العظماء إلى مسائل ولا أن نحط من شأنهم فننحدر بهم إلى منزلة منظومات تعليمية ، ولا أن نجعلهم صورا بعيدة المنال.
إذن ماذا نقصد بالعظمة ؟؟؟
إن العظمة المنشودة هي عظمة النفاد إلى أعظم العقول والإصغاء إليها ودراستها وحبها، والعيش في كنفها، ولكل أمريء الحق في ذلك، فالرجل العظيم هو أشبه بانعكاس الكون بأسره وهو ما يمكن تأويله تأويلا لا نهائيا. إنه مرآة الكون أو ممثله ، والعظمة أيضا تؤدي إلى عمل نافع ، ولا تقاس ، وأينما يستطيع أن يحظى بالعظمة ما ينتمي إلى كل كوننا إلى كل العالم، إلى التعالي.
إذن العظمة هي غوص في ثنايا الكلي ، ولا تعني تأليه الإنسان ، فكل إنسان حتى أعظم البشر وأندرهم يظل إنسان ، إنه من جنسنا ومن عالمنا، فتاريخ الفلسفة مليء بمظاهر العظمة التي اعتبرها بعض الناس في قمة العلو مثل المدارس ” الرواقية ، الأبيقورية ، الأفلاطونية الجديدة…”، لكن هي عظمة لا ينبغي أن تصل إلى إلباسهم ثوب التفرد والحصر، بل أن تشق الطريق نحو الفلسفة وتأثير ذلك على تربية الأفراد الشخصية.
عظمة مثل هذه تضعنا امام فارق بين عظمة الفلاسفة وسائر الوجوه الانسانية ، فالفيلسوف العظيم هو الذي يقنع غيره في المناقشة ، فيكون بذلك إنسانا قديرا قبل كل شيء.وفي التاريخ صور شتى عن هذا المثل لا يمكن عدها ولا حصرها. ويوحي هذا الحديث إلى نقاش عن العظمة بمعايير خاصة لا ندركها إلا إذا توافرت بعض الشروط الخارجية المتمثلة في :
  • أن تصلنا العظمة من خلال اثار محفوظة.
  • أن نعرف العظمة بتأثيرها في فكر عظماء اخرين من اللاحقين.
وإضافة إلى هذه الشروط هناك معايير داخلية أهمها :
  • الفلاسفة في الزمان ، ولكل منهم حتى أعظمهم وضع راهن حقا في مكان ما.
  • كل مفكر صحيح أعلى شأنه شأن كل إنسان حقيقي ، ولكن المفكر العظيم عظيم بأصله وتحقيقه لتواصل لم يكن قبله قائما.
  • استقلال الفيلسوف ليس استقلال الأثرة ، بل هو استقلال يتيح مجابهة القلق الزمني المستمر وكسب الطمأنينة المطلقة.
وهي معايير وشروط تلتصق بالعظمة كمحاولة للتعمق في معرفة التاريخ الفلسفي المليء بالفلاسفة الذين شكلوا مدارس وأكاديميات كالحكماء الطبيعيون والأبيقوريون والكلبيون، ومنذ القرن التاسع عشر غرقت الفلسفة في العظمة ، وحدوث هذه العظمة يدعونا إلى معاشرة العظماء والاحتكاك بهم.
وكخلاصة ، البحث في موضوع العظمة هو محاولة لسبر أغوار التاريخ الفلسفي وتحديد معالم سموه ورقيه وحضوره وإدراكه إدراكا شاملا في ينبوعه.
————————————-
تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.

0 التعليقات لموضوع "قراءة في كتاب «عظمة الفلسفة»"


الابتسامات الابتسامات