إسبانيا وقانون المصالحة مع الريف


جمال الكتابي/امستردام
قدم حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني، في شخص فريقه البرلماني، يوم 25 نوفمبر 2016 مقترح قانون ‘المصالحة وجبر الضرر’ إلى البرلمان الإسباني، هذا المقترح يشمل المصالحة الداخلية و كما يحتوي في جزء منه المصالحة مع الريف. المقصود هنا بالمصالحة الداخلية هو تسليط الضوء على الجرائم التي ارتكبت خلال مرحلة الحرب الاهلية أو مرحلة الديكتاتورية في إسبانيا، ما يهمنا هنا أكثر هو الجزء من المقترح المتعلق بالمصالحة وجبر الضرر مع الريف (شمال المغرب)، لكن، حتى نضع الأمور في سياقها التارخي لا بد من الإشارة ولو في لمحة عابرة إلى الأسباب التي جعلت حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني ان يقدم على هذه الخطوة في هذه المرحلة، مع الإشارة على أن هذا المقترح نشر في الجريدة الرسمية الإسبانية في 2 دجنبر 2016 أي قبل بضعة أيام.
في أسباب النزول:
في سنة 2006 تلقت المحكمة الوطنية في مدريد عدة دعاوي قضائية رفعها أهالي ضحايا وجمعيات حقوق الإنسان التي طالبت بالتحقيق في مصير المفقودين ومجهولي المصير في زمن الحرب الاهلية ومرحلة دكتاتورية جنرال فرانسيسكو فرانكو، في نفس السنة استجاب القاضي بالمحكمة الوطنية بمدريد السيد ‘بالتسارغارثون’ لطلب عائلات الضحايا ومحاميهم بتوجيه التهمة رسميا الى نظام فرانكو حول مسؤليته في التصفيات والعنف الذي شهدته تلك المرحلة. في نفس السنة أي في سنة 2006 حاول حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني تقديم سؤال في البرلمان حول ضرورة المصالحة مع الريف من خلال تقديم الاعتذار لأهالي المنطقة حول استعمال اسبانيا لسلاح الدمار الشامل(السلاح الكيماوي) ضد مقاومة محمد عبد الكريم الخطابي في الريف، لكن معارضة الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي حال دون طرح هذا السؤال في اليرلمان من طرف حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني. للاشارة فقط فهذا الاخير كان ينسق آنذاك مع مجموعة عمل في المغرب التي تشتغل على ملف استعمال السلاح الكيماوي في الريف. هذه التطورات كلها دفعت حكومة السيد “سابتيرو’ سنة 2007 للمصادقة على قانون “الذاكرة الجماعية” The Historical Memory Law، هذا القانون عارضه آنذاك الحزب الشعبي اليميني وحتى حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني. كان تبرير هذا الاخير لمعاضته لهذا القانون هو انه غير مكتمل مالم يتضمن قانون المصالحة مع الريف. أما معارضة الحزب الشعبي لقانون ‘ الذاكرة الجماعية’ فكان منسجما مع إرثه الفرانكوي. وبدون شك إن ما عجل بإقدام حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني على هذه الخطوة تجاه الريف هو وجود حليف مهم في البرلمان الإسباني المتمثل في حزب Podemos، بالإضافة إلى وجود حراك شعبي في الشمال رفع وبكل قوة مطالب التنمية واعادة فتح ملفات الماضي الاستعماري من بينها ملف استعمال السلاح الكيماوي من طرف إسبانيا وما ترتب عليه من كوارث انسانية وطبيعية.
مقترح حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني للمصالحة وجبر الضرر في الريف:
هذا المقترح صدر بالإسبانية لكن قمنا بترجمته الى العربية (بتعاون مع الباحث حماد بدوي) حتى يطلع عليه الكثير من الناس وبالخصوص أن مطالب الحراك في الشمال تتشابه في بعض منها مع مقترح القانون هذا. نص القانون الذي اقترحه حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني (مترجم): ” هذه هي الفقرة التي تناولت مسألة السلاح الكيماوي في مقترح القانون الذي قدمه فريق حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني بالبرلمان الإسباني، و المنشور بالجريدة الرسمية الخاصة بمجلس النواب ليوم 02 دجنبر 2016.
مقترح قانون في شأن الإعتراف بكل ضحايا الديكتاتورية و إسترجاع الذاكرة التاريخية.
يضاف مقتضى إضافي تاسع يصاغ على الشكل التالي:
” المقتضى الإضافي التاسع. الإعتراف بمسؤوليات الدولة الإسبانية و تعويض الأضرار المترتبة عن إستعمال السلاح الكيماوي في الريف.”
  1. تعترف الحكومة بمسؤولية الدولة الإسبانية عن الأعمال العسكرية التي قام بها الجيش الإسباني ضد السكان المدنيين في الريف بأمر من أعلى سلطة فيه و المتمثلة في الملك ألفونصو الثالث عشر في فترة ما بين 1922 – 1927.
  2. و من أجل ذلك، تنظم و تعقد فعاليات للمصالحة و الإيخاء و التضامن مع الضحايا، و مع ذريتهم و مع كل المواطنين الريفيين، كتعبير عن طلب الإعتذار من طرف الدولة الإسبانية.
  3. يُسهل العمل البحثي أمام المؤرخين و كل المهتمين بتعميق المعرفة من حول الأحداث التاريخية من خلال تكييف الأرشيف العسكري لتطبق عليه البروتوكولات التي تنظم اليوم الأرشيفية الحالية.
  4. تتم مراجعة الشروح و المراجع و الفصول المتعلقة بالحملات العسكرية التي قام بها الجيش الإسباني، و الموجودة في المتاحف و المعالم و الثكنات العسكرية و النصوص المدرسية و الكتيبات العسكرية…إلخ، و التي تخفي إستعمال السلاح الكيماوي و/أو تحرف الحقائق التاريخية.
  5. يمنح الدعم للجمعيات الثقافية و العلمية الإسبانية و المغربية التي تشتغل في مجال البحث حول آثار و نتائج إستخدام السلاح الكيماوي في الريف.
  6. ستتحملُ تقديم التعويضات المادية ذات الطابع الفردي التي يمكن أن تتم المطالبة بها بسبب الأضرار الناجمة.
  7. ستساهم، في إطار التعاون الإسباني المغربي، في تعويض الأضرار الجماعية و تعويض الدين التاريخي، من خلال تفعيل و الزيادة في خطط التعاون الإقتصادي و الإجتماعي الموجهة لكل أقاليم الريف، و بشكل خاص لإقليمي الناظور و الحسيمة.
  8. يتم تجهيز مستشفيات الريف، و بالأخص مستشفيات إقليمي الناظور و الحسيمة، بوحدات طبية متخصصة في العلاج السرطاني، للمساهمة في تخفيض نسبة الأمراض السرطانية المرتفعة”.
خلاصة القول:
إن حزب اليسار الجمهوري الكاطالون كان ذكيا على الأحزاب المغربية في استيعاب دقة المرحلة التي تمر منها إسبانيا و المنطقة بشكل عام لطرح هكذا مقترح، بل يعتبر هذا المقترح أكبر هدية للحراك الشعبي بالشمال. السؤال المطروح هو أين هي الدولة حتى تواكب هذه التطورات المهمة والتاريخية في شخص هذا المقترح التاريخي الذي اقترحه وقدمه الحزب اليساري الجمهوري الكاطالوني؟
لقد حان الوقت كما يبدو لبناء مؤسسات جهوية مستقلة لمتابعة هذه الملفات مع الجهات الدولية، على شباب الحراك ونخب المنطقة التفكير بجدية في هذه المقترحات.
امستردام 6 دجنبر 2016


تنويه : الصور والفيديوهات في هذا الموضوع على هذا الموقع مستمده أحيانا من مجموعة متنوعة من المصادر الإعلامية الأخرى. حقوق الطبع محفوظة بالكامل من قبل المصدر. إذا كان هناك مشكلة في هذا الصدد، يمكنك الاتصال بنا من هنا.

0 التعليقات لموضوع " إسبانيا وقانون المصالحة مع الريف"


الابتسامات الابتسامات